رواية منال كاملة
المحتويات
مسرورا من داخله لأنها وإن ادعت العكس كانت تظهر اهتماما ملحوظا به
لم تتوقف عن الإطراء عليه وعن مدح تصرفاته اللائقة مع العائلة منذ أن عادت إلى المنزل مع زوجها الذي استعاد عافيته لينظر إليها مليا وهو متعجب من مدى اهتمامها بشأن هذا الشاب المثابر جمعت فادية المتسخ من الثياب في كومة صغيرة فوق طرف الفراش لتستمر في ثنائها على عمر هاتفة
هز سليمان رأسه معقبا
فيه الخير متربي على الأصول
سألته دون تمهيد كأنما تفكر بصوت مسموع
تفتكر ممكن يتقدم ل بهاء ويخطبها
استغرب من تطرقها لهذا الموضوع تحديدا وعلق برد دبلوماسي
الله أعلم!
تنهدت قائلة في نبرة حالمة
أنا حاسة إن عينه منها
سألها متعجبا
أكدت له عن يقين
إحساسي عمره ما يخيب أبدا
نصحها قائلا بشيء من المنطقية
أنا رأيي بلاش نتعشم في حاجات احنا مش متأكدين منها لسه استني لما يكون في حاجة الأول
رفعت بصرها للسماء مرددة بنبرة متضرعة
يا رب يجعلها نصيب معاه
كانت ممتنة لأنها تتحدث هاتفيا وليس عبر مكالمة مرئية فلا ترى رفيقتها ما يطغى على قسمات وجهها من تعابير سارة ومبتهجة لمجرد تطرقهما للحديث عنه فقد تشاغلت بهاء به مؤخرا وأصبح بالنسبة لها إدمانا لا تود أبدا التعافي منه فراحت تستفيض في الحديث عما يخصه بغير كلل أو ملل مجددا أكدت بسنت بما لا يدع مجالا للشك
ردت عليها في تحرج وهي تتقلب على فراشها
بلاش تحلفي
أخبرتها في نفس اللهجة المؤكدة
هو مش مجبر يعمل كده معاكي إنتي بالذات بس إنتي فارقة معاه أوي
في تحير غلف نبرتها تساءلت بهاء وهي تضم وسادتها إلى صدرها
طب وبعدين المفروض اللي يحصل بعد كده إيه
صمتت قليلا لتفكر قبل أن تقول
سألتها بغير اقتناع
تفتكري
جاء ردها حاسما
طبعا وإلا هتضيع الفرصة عليه
حررت زفرة بطيئة من رئتيها لتعلق بعدها بنبرة متمنية
أما نشوف
حلقت بنعومة في فضاءات الخيال الوردية طامعة أن يكون ما تصبو إليه حقيقة واقعة وليس افتراض رغبات نفسها المتلهفة عليه
وكيف يتسنى له لقائها في الخارج وبأي حجة أو عذر أحس بالإحباط والأسى لكونه عاجز عن فعل ذلك لاحظت السيدة نهيرة سكوته واستغراقه في التفكير العميق فانتشلته من سرحانه الغريب بسؤالها المرتب
تنبه لها واعتدل في جلسته فاستأنفت حديثها إليه
في واحدة شاغلة بالك ولا إيه
الهروب من الاعتراف بما يضمر في صدره لن يفيده بأي حال لذا لم ينكر الأمر وأجابها باقتضاب حائر
يعني
بدت سعيدة إلى حد ما لكون إحداهن قد نجحت في الاستحواذ على اهتمام ابنها ولهذا انتقلت لسؤالها التالي بحذر
أعرفها
لم يراوغها في الرد حينما أجاب
هي بنت أخو عم سليمان صاحب بابا الله يرحمه
انفرجت أساريرها مرددة باهتمام وفضول
أه عارفاه ده راجل محترم مش هي اللي أخوك كان بيتكلم عنها ساعة الفرح
جاء رده مؤكدا رغم اختصاره
أيوه
سألته في تحمس
وهي رأيها إيه
تهدل كتفاه مرددا بملامح قلقة
لسه مش عارف
كعادته تطفل عامر على حوارهما متسائلا وهو يقضم ثمرة التفاح
بتتكلموا عن مين
رفع عمر عينيه ناحيته معقبا بتساؤل منزعج
إنت هتروح وحدتك إمتى
ارتمى بجسده على الأريكة ليجاوبه بأريحية
أنا أجازة يا سيدي
مستخدما أسلوبه الفضولي تابع متسائلا
برضوه ماقولتوش مين دي اللي بتتكلموا عنها
هذه المرة أجابته السيدة نهيرة مبتسمة في حبور
قريبة عم سليمان
هلل في غبطة
المزة إياها مش أنا قولتلك يا ماما هينخ ويقولك عايزها
هزت رأسها توافقه
مظبوط
وجه بعدها سؤاله لشقيقه الأصغر متسائلا باهتمام
والمزة رأيها إيه
قال بفم مقلوب
معرفش!
فيما يشبه النصيحة أخبره
طب ما تجس نبضها وتشوف الدنيا
رد في إيجاز
هحاول
استحثه على عدم التراخي محفزا إياه بنبرة حماسية غريبة
جرى إيه يا سيادة الرائد مش معقول خططك الجهنمية في الھجوم والاقټحام مجابتش نتيجة معاها
فسر له سبب تردده في اتخاذ خطوة جادة معها بقوله
ما هو أنا ماتكلمتش معاها نهائي في أي حاجة غير الدراسة وبس
في تهكم بائن علق
فالح
بنبرة متحيرة سأله عمر مبديا حاجته لدعمه
شور عليا أعمل إيه
في استرخاء أكبر تكلم عامر وهو يلوك ما تبقى من ثمرة التفاح في جوفه
عينيا أنا في الحاجات دي خدوم!
اليوم كان استثنائيا بالمرة في الأكاديمية فقد كان ختام التدريب وفيه تلقى الجميع الشهادات الموثقة التي تفيد اجتيازهم له بتفوق وبراعة تفرق الدارسون المتأنقون في ثياب رسمية هنا وهناك لالتقاط الصور التذكارية مع القادة والضباط التصقت بهاء برفيقتها لتلتقطا معا صورة شخصية سيلفي وهما ترفعان الشهادتين للأعلى في زهو وتفاخر والأولى تهمهم بصوت مستاء
صاحبنا مظهرش لسه ولا عمل حاجة
ردت عليها بسنت بلا شك
أكيد هيجي بس الزحمة تخف شوية
بدت غير واثقة تماما من حدسها فأفصحت عما يجول في طيات نفسها
خاېفة أكون عايشة في الوهم
راحت بسنت تؤكد عليها بيقين لا يتزعزع
والله ما شال عينه من عليكي
تلقائيا تنقلت بهاء ببصرها باحثة عنه وسط الجموع رأته محدقا بها فتورد وجهها في التو لتدعي انشغالها بمطالعة انعكاس وجهيهما في عدسة كاميرا هاتفها المحمول طالبة من رفيقتها
طيب اضحكي
تفاجأت الاثنتان بوجود أمير في خلفية الصورة فالتفتتا نحوه لتسأله بسنت في استنكار
حضرتك عايزك تتصور معانا ولا حاجة
قال مبتسما بابتسامته العريضة
يا ريت
سددت له هذه النظرة العجيبة فوقف مجاورا لها ليطلب من بهاء بأدب وهو يعطي باقة من الورد إلى بسنت
معلش ممكن تصورينا سوا
صدمت الأخيرة مرة أخرى لفعلته بينما رحبت بهاء بتصرفه اللطيف قائلة
أكيد
ظلت تعابير بسنت ذاهلة بدرجة كبيرة تطالعها من زاوية وقوفها بتعجب وأمير في حالة من النشوة العارمة نظر إليها من طرف عينه ليجدها على تلك الحالة فأمرها
اضحكي
ظهرت تكشيرة عظيمة على وجهها فقال ملطفا
وشك بينور لما بتضحكي
أحست بالبلاهة تسيطر عليها وتساءلت مع نفسها
هو إيه اللي بيحصل بالظبط
بناء على
تخطيط مسبق من شقيقه الأكبر بخلق أجواء مناسبة للاعتراف بمدى انجذابه إليها طلب عمر من رفيقه مساعدته في التودد إلى بهاء دون أن يثير الريبة فوافق الأخير على الفور لرغبته هو الآخر في الاقتراب من صديقتها وتوطيد صلته الجادة بها لهذا أخبره بدعوتهما إلى الحفلة الغنائية التي سبق له حجز تذاكرها والتأكد من حضورهما ليتمكن من البوح عما يكنه لها بعيدا عن محيط الدراسة
نفذ أمير ما طلب منه وتحين الفرصة التي بقيت فيها الاثنتان بمفردهما ليتمكن من إخبارهما بمسألة الحفلة فاستطرد في هدوء جاد
أنا معايا تذاكر VIP لحفلة في الأوبرا فيها مطربين من الفرقة العربية للموسيقى إيه رأيكم تحضروا فيها
اعترضت عليه بسنت بنبرة مرتابة
حفلة! مش مرتاحة!
سألها وهذه النظرة المعاتبة تطل من حدقتيه
ليه بس
في اندفاع مملوء بالاتهام أجابته
أصل إنتو الحفلات عندكم بتقلب بانفجارات وخطڤ ورهاين وجو أكشن أنا صحتي معدتش أده
ضحك على لطافتها معقبا
لا والله دي هتعجبك أوي وعلى ضمانتي
ظلت أسيرة التردد لعدة لحظات لتحسم أمرها بسؤال رفيقتها
إيه رأيك يا بهاء
لم تكن الأخيرة ممانعة من الذهاب إلى هناك فأبدت ترحيبها
مافيش مشكلة بالنسبالي
ليأتي تعقيب أمير صاډما للاثنتين
ما تيجي معانا يا سيادة الرائد الحفلة دي
في التو التفتتا ناظرتين للجانب حيث تواجد عمر قريبا من بهاء فتلبكت من حضوره وتحركت خطوة بعيدا عنه لتترك مسافة بينهما لكنه قلصها بتقدمه تجاهها جاعلا عيناه ترتكزان عليها فقط ادعى جهله بما يتحدث عنه رفيقه وسأله
حفلة إيه
أجابه أمير بهدوء
بتاعة الموسيقى العربية
هز رأسه مضيفا في استحسان
أها دول بيعملوا شغل عالي فيها
أيده رفيقه في رأيه
جدا
بنفس النبرة الثابتة أعلن عمر موافقته على التواجد بها
معنديش مانع
انتهزت بسنت الفرصة لتتعلق بذراع رفيقتها وهمست لها في أذنها بمرح
مش قولتلك هيدور على أي حجة يشوفك بيها
حاولت بهاء أن تخفي سعادتها وقالت بخجل
بس لأحسن يسمعنا
مد عمر يده بباقة الورد إلى بهاء قائلا في نبرة جادة
اتفضلي دي علشانك
فاجأها بذلك ورددت في غير تصديق
علشاني
راح أمير يقول في اعتزاز كأنما يدعمه
طبعا عمر باشا ما بيعملش كده مع أي حد ده أنا بتعلم منه أصول الذوق
مالت بسنت على رفيقتها تهمس لها في عبثية
وتقوليلي مش مهتم!
انتشت بهاء للغاية من حركته تلك وأحست بتميزها معه لتنظر إليه حينما أشار بيده نحو شاشة العرض المعلقة على أحد أركان قاعة الاحتفال قائلا
الفيديو بتاع التدريب هيتعرض أهوو
اتجهوا بأعينهم ناحيته ليتابع موضحا لهم
مجمعين فيه لقطات مختلفة من كل حاجة شاركنا فيها
قوست بسنت شفتيها لتهمهم لرفيقتها بخفوت
ده احنا شكلنا هيبقى هزوء أوي
ردت عليها بهاء بنفس النبرة الخفيضة
واحنا كنا مبدعين فيه على الآخر
عرضت لقطة ل بسنت وهي تفترش الأرضية بعد التدريب على فك الألغام فكانت تبدو كالخرقاء وبقع الطين تغطي وجهها وثيابها تحرجت للغاية من حالتها المزرية ورددت
ياختاي بصي على منظري
رأت بهاء صورة لها وفمها مفتوح على اتساعه وكأنها توشك على ابتلاع وحش ما فخجلت هي الأخرى من هذه اللقطة لتبرطم بحرج
يادي الفضايح ده معبر مش بؤ!
ضمت غالبية الصور المعروضة لقطات عفوية لكافة الدارسين في مواضع متنوعة طوال فترة التدريب ضحكوا فيها على هيئتهم الطرفية
إلى أن تبدلت هذه اللقطات إلى مشهد بعينه تم تسجيله بواسطة كاميرات المراقبة عرض من زاويا مختلفة لذلك الصدام السابق بين بهاء وعمر في النادي حينما التقت به أول مرة للغرابة وضعت علامة تشويش على بسنت لتبدو غير ظاهرة فيه وكأن لا وجود لها من الأساس
جمدت الصدمة تعابير وجه بهاء فحدقت بنظرات مصډومة مړتعبة لما يبث على مرأى ومسمع من الجميع
عبر شاشة العرض بينما تساءل أمير مستفهما بتحير
إيه ده كمان
انزعج عمر للغاية من قيام أحدهم بعرض ذلك علنا وكأنه يقصد ڤضحهما بشكل فج فصاح في استنكار جلي
هو إيه اللي بيحصل هنا
اعتلى الذهول والاستغراب أوجه الحاضرين وتحولت أنظارهم تجاه عمر وبهاء لتصبح علامات الاستفهام المريبة والتكهنات غير البريئة حولهما انطفأت الشاشة وبدت بهاء في حالة من الړعب لتقوم رفيقتها بتهدئة روعها بقولها المهتز
أكيد ده مقلب سخيف
وكأن أحدهم قد سكب دلوا من الماء البارد فوق رأسها تلفتت بهاء حولها في نظرات جمعت بين الحرج والخۏف وصوتها المرتعش يردد
أنا مش فاهمة حاجة!
سمعت عمر يتوعد في حنق
اللي عمل كده هيتحاسب الحكايات دي مافيهاش هزار!
سرعان ما سطت الصدمة على وجوههم حينما ظهر أنس في مرمى بصرهم وعلى قسماته هذه النظرة الشامتة
متابعة القراءة